بواعث القهر في شعر شواعر الجاهليات

(دراسة سيميائية)

الملخص

     تعد المرأة العربية عماد الحياة الاجتماعية في مجتمع ما قبل الاسلام، فهي الحاضن الأول للمجتمع الصغير إلا وهو الأسرة  التي تمده بالعون والمساندة في كل تفاصيل الحياة. لكنها في ذلك العصر تعرضت للقهر، والكبت، و التهميش، نتيجةً لسيادة السلطة الذكورية. وفي ضوء هذه المعطيات قمتُ بدراسة بواعث القهر في شعر الشواعر الجاهليات – دراسة سيميائية عبر تتبع أشعار شاعرات في عصر ما قبل الإسلام، نظراً لاتساع مساحة هذا القهر وتعدد أسبابه ودواعيه، فضلًا عن معرفة أبعاد التجربة الإنسانية المعاشة إحساسًا وإدراكًا ، ورصد سُبل تجسيدها في أشعارهن، وبيان دور المقاربة السيميائية في إبراز المعنى وتوسيع الدلالة عند الشاعرات.

     لقد عاشت المرأة الجاهلية في ذلك المحيط وتفاعلت مع أحوالهِ وتقلباتهِ الاجتماعية نفسيًا وجسديًا وأدبيًا؛ كونها تمثل الركيزة الأساسية في مفاصل حياة الرجل ، فأخذت تجسد مواقفها الإنسانية والنفسية والاجتماعية، انطلاقًا مما تتمتع به المرأة من حسٍّ مرهف، وموهبةٍ فنيةٍ بارعةٍ قادرةٍ على تحويل المحيط البسيط المترامي من حولها إلى عوالم فنية ذات رؤى فكرية تذهل المتلقي.

    ولقد ارتأيت تقسيم البحث إلى فصلين؛ الفصل الأول هو المهاد النظري:  يتناول فيه الحديث عن مفهوم السيميائية وتطورها عند كل من العرب والغرب، وأهمية المنهج السيميائي، وتوظيفه كمنهج لمقاربة الخطابات الشعرية ما قبل الإسلام، وبيان كنوزها الدلالية، فضلًا عن معرفة القهر في المنظور الاجتماعي والنفسي، وكيف غدا باعثًا للكتابة الشعرية النسوية في العصر ما قبل الإسلام. والفصل الثاني هو الجزء التحليلي: يدرس بواعث القهر في الخطابات الشعرية من زاوية النظر السيميائية، محاولًا الكشف عن الدلالات المضمرة ، وبيان الأيقونات السيميائية المتعددة كأسماء الشخصيات و والأماكن المؤطرة بالرموز والإشارات السيميائية ، فضلًا عن  كشف أبعاد التجربة الإنسانية الشعورية الشعرية عند الشواعر ما قبل الإسلام.

   ولقد اتضح أن توظيف العلامات السيميائية اللغوية المعززة بالصور الشعرية البلاغية في أشعارهن تؤكد على مظاهر تلاشي الوجود من جهة، ومن جهة أخر تحاول أن تؤكد حضورها الفاعل رغم تهميشها وإقصاءها. فالقهر لم يكن بعدًا نفسيًا فحسب، وإنما مثل علامة مجتمعية تدل على هدم الهوية الوجودية المفضي إلى بناء هوية شعرية متفردة.